أن
تقرأ خبرا يسعدك في بداية العام فهذا أمر يبشر بالخير في
وقت أصبحت فيه معظم الأخبار تصيب قارئها بالحزن واليأس
والاكتئاب..
أما الذي أسعدني فهو الذي قرأته في جريدة الأهرام
صباح يوم 2 يناير الحالي في الصفحة الأولي وعنوانهالحكومة تلغي
المشروع السياحي في قرصاية.. وتنتصر لحق المقيمين فيها .
وكنت
قد كتبت في هذا المكان يوم 14 ديسمبر الماضي مقالا بعنوان ع
اللي جري في القرصاية .. استعرضت فيه حكاية هذه الجزيرة
الجميلة .. وكفاح أهلها في التصدي لمن يحاولون الاستيلاء عليها
..وفي آخر المقال تساءلت: هي
القرصاية في إيد اليتيم عجبة؟!
كتبت
هذا في وقت أحجم فيه الكثيرون
عن الحديث في هذا الموضوع نظرا لإحساسهم إن الدولة تتدخل
بكل ثقلها لتنفيذ المشروع السياحي بالجزيرة وإنه لافائدة من
الكتابة عن موضوع قد انتهي أمره وتم البت فيه.
وقد
تساءل الفنان محمد عبلة الذي قاد مسيرة الكفاح ببسالة وحرفية
في حوار تم اجراؤه معه: هل من الممكن أن تنتصر الفرشاة
علي البلدوزر؟! وها هي قد انتصرت بالفعل!
وقد
كنت متأكدا حينها انه لن يضيع
حق وراءه مطالب, واننا في دولة يحكمها قانون ونظام
برلماني ومؤسسي يفرق جيدا بين حق واضح وصريح للمواطنين.. وبين
مشروع لمستثمر عربي يريد أن يستولي علي ما هو ليس من
حقه.
اننا
لا نختلف مع المشاريع التي تخدم المصلحة العامة .. ولا يتأخر
مواطن عن المساهمة فيها بما يستطيعه إذا ما شعر بحسن نية
الحكومة وأن هذا المشروع الذي سيضحي من أجله سيخدم البلد
والمواطنين فعلا وليس مجرد مشروعا استثماريا ترفيهيا لخدمة شخص
واحد..
نعود إلي الخبر الذي أسعدني وأعيد لكم نصه
كاملا حتي تشاركوني هذه السعادة
بعد شد وجذب استمر عدة أشهر بين أهالي جزيرة قرصاية
والحكومة, توصلت لجنة الزراعة في مجلس الشعب ـ بالاتفاق مع
ممثلي الجهات الحكومية ـ إلي قرار حاسم بإلغاء المشروع
السياحي الذي كان من المفترض إقامته بالجزيرة. أهالي قرصاية
تمسكوا بحقهم في الأرض التي يتملكونها بعقود منذ نحو 200 عام.
والحكومة تفهمت حقوق الأهالي, ونجحت في تقديم نموذج ديمقراطي
في سبيل حماية حق المواطن, فألغت مشروعها السياحي. القضية
حسمت في اجتماع لجنة الزراعة والري بمجلس الشعب برئاسة
عبدالرحيم الغول, بالاتفاق مع الحكومة علي إلغاء مشروع إقامة
عدد من المنشآت السياحية, ليتحقق بذلك الاستقرار للمواطنين
المقيمين بتلك الجزيرة منذ نحو 200 عام, وبالتحديد منذ عام
1809. ويضيف الخبر ان الحسم جاء بعد مناقشة طلبي إحاطة عاجلين
تقدم بهما النائبان محمد أبوالعينين, وعزب مصطفي حول خوف
أهالي جزيرة قرصاية من الاستيلاء عليها, وطرد المواطنين منها,
حيث حفروا قبورهم في أرض الجزيرة ليدفنوا بها أحياء إذا
أجبروا علي ترك أراضيهم. وقد أكد النائب أبوالعينين أن الاتفاق بالحفاظ علي حقوق
الأهالي يعيد الهدوء والاستقرار إلي المواطنين الذين يحملون
عقود ملكية وإيجار بأراضي الجزيرة, مما يجعلهم أصحاب حق لا
يجوز انتزاعه منهم بالقوة, خاصة أن اللجنة الحكومية المشكلة
من وزارات: الري, والزراعة, والاستثمار, ومحافظة الجيزة, وهيئة
الرقابة الإدارية لدراسة أوضاع الأهالي المقيمين بالجزيرة, قد
أثبتت بعد دراستها أحقية المواطنون في الإقامة لأنهم يحوزون
عقود تمليك وإيجار منذ عام 1809. وأوضح النائب عزب مصطفي أن
تأمين استقرار إقامة أهالي جزيرة قرصاية يحفظ لهم حقهم ويزيد
من صلابة قاعدة الثقة بين المواطن والدولة في الحفاظ علي حقه,
وحمايته من التشرد, وتوفير الخدمات الأساسية باعتبارها حقا
يكفله الدستور لكل المواطنين.
انتهي
الخبر ولكنني سأروي لكم موقفا مشابها قرأته عندما كنت أتصفح
كتابا عن سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يقوم
في عام 27 هجرية بتوسعة المسجد النبوي وكان من ضمن المنازل
المحيطة بالمسجد منزلا للعباس الذي رفض التنازل عن المنزل
فعرض عليه عمر تعويضا ماليا أكبر لكنه رفض أيضا.. وعندما تأزمت الأمور ذهب
العباس الي أبي بن كعب وكان مفتيا وقتها من ضمن أربعة
مسموح لهم بالإفتاء وقص عليه الأمر فأفتي أبي بأنه لا يحق
لعمر أن يحصل علي المنزل دون موافقة ورضا العباس.. فماذا
فعل العباس .. وماذا فعل عمر؟
لقد
رضي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالحكم .. إما العباس فقد
تنازل طواعية عن منزله لصالح المسلمين ولصالح توسعة المسجد
النبوي بدون أي مقابل!
هكذا
يعلمنا التاريخ.. وما أشبه الليلة بالبارحة..
المهم
الآن .. لماذا لايستفيد أهالي القرصاية الآن من الشهرة العالمية
التي حظيت بها جزيرتهم .. ولماذا لا يقومون بجهودهم الذاتية
وبمساعدة وزارة الثقافة وصندوق التنمية الثقافية وبالتعاون مع
عضو مجلس الشعب ورجل الأعمال محمد أبو العينين الذي يمتلك
قعة أرض بها في تحويل الجزيرة الي مكان ترفيهي جميل وذلك
بتخصيص مساحة كبيرة للأنشطة الثقافية والفنية والترفيهية مما
سيعود علي أهالي الجزيرة بدخل
كبير ونشاط تجاري واستثماري وسيعود عليهم بفوائد كثيرة لا تعد
ولا تحصي وحتي تصبح فعلا القرصاية منورة بأهلها ولأهلها وليست
منورة بأحد آخر يستفيد وحده من هذا النور.
نشرت
في جريدة المسائية