فــي المساء.. خلال مشاهدته المسلسل
العربي القديم المعاد للمرة العشرين في التليفزيون الأبيض
وأسود- وبالتحديد عند عرض الإعلان المغري عن المـأكولات الذي
قطع أحداث المسلسل- قالت له زوجـته بصوت ممطــــوط:
- تعرف أنا نفسي في إيه؟!
- خير!
- خلاص.. بلاش!
- وبلاش ليه. ياشيخة قولي اللي نفسك فيه.. ما
أنا لسه قابض أول امبارح.
- أنا نفسي يا أبو عمر نتعشي في الحسين.
- والله فكرة!.. دا أنا حتي ماروحتش الحسين من
زمان.. ياللا قومي إلبسي ولبسي العيال بسرعة.. واللا أقولك..
استني نصلي العشا وننزل علي طول..
تناول
المظروف القديم المتهالك الذي يضع فيه راتبه دائما من داخل
درج الكومدينو وأخذ يعد الوريقات المالية المتهالكة.
- .. عشرة.. عشرين.. تلاتين.. تلتمية وأربعة وثمانين
جنيه وربع.. هذا هو كل المتبقي من المرتب.. طيب أقسم الفلوس
علي طلبات الشهر ولا أفسحهم الأول؟.. يعني آخد كام من
الفلوس عشان العزومة دي؟.. مسألة صعبة!
- هيا حاتكون بكام يعني.. قالها في نفسه بحسم؟
- عشرين.. تلاتين.. بالكتير أربعين جنيه.. الأحسن
أخلي الفلوس كلها معايا.. ماحدش ضامن الظروف مش مهم, ما هي
مرة في الشهر.. ويمكن ما تتكررش غير كل كام سنة.. مش
خسارة في العيال وأمهم.. كتر خيرهم.. ما هم زهقوا من الأكل
القرديحي معظم الشهر.. أهو يغيروا.. يا شيخ خليها علي الله
(قالها لنفسه في سره).
بعد
الصلاة أخذ عائلته الصغيرة وخرجوا من شقتهم الصغيرة للبحث عن
وسيلة مواصلات تقلهم للحسين.. وجدوا ميكروباص يسير في منتصف
الشارع وينادي صبي فيه:
ـ الحسين.. الحسين. الحسين
كان
به مقعد واحد فارغ قال لها: أهوه تقعدي أنتي ومش مهم احنا
.. أهو نقف وخلاص.
أشار
للميكروباص وما ان ركب الابن الأصغر حتي صرخ صبي الميكروباص
محذرا السائق:
- الحق يا اسطي الضابط جاي..
انطلق
السائق بالصغير تاركا باقي الأسرة تصرخ:
- حاسب حاسب
قال
أحد الواقفين:
- أجري وراه.. الحقه في الإشارة اللي هناك.
جري
وراء السيارة ولحق بها بصعوبة حيث وجد ابنه منفطرا من
البكاء والخوف.
انفجر
صارخا موبخا السائق الذي رد
عليه ببرود:
- يعني لو كان الضابط أعطاني مخالفة بمية جنيه
لما أقف في الممنوع.. كنت حاتتدفعهم لي إنتا؟
- ولما أنت خايف كدة بتحمل ليه في وسط الشارع؟
وبعد
وصلة خناق احتضن ابنه وعاد لبقية الأسرة الواقفة علي رصيف
وسط الشارع.
قال
أيمن الإبن الأصغر : مش لو كنا ركبنا تاكسي كان أحسن يا
بابا!
تجاهل
صاحبنا هذه العبارة وظلوا في الانتظار بالمحطة , حتي وصل
الأتوبيس فأسرعوا وسط تدافع وتزاحم الركاب ولما فشل في الحصول
علي أي مقعد, وقف يحيط بزوجته وابنائه يذود عنهم المتنطعين
خائفا علي ثروته الصغيرة التي في جيبه من اللصوص.. وبسبب
هذا فقد ناله الكثير من الزغد والركل والضغط والفعص.
وبعد
عناء طويل.. انتبه علي صوت الكمساري الأجش:
- اللي نازل الحسين يستعد عند الباب بتاع السواق
قدام.. المحطة الجاية.
نزلوا
من الأتوبيس واتجهوا إلي النفق الذي دلفوا من خلاله إلي
الجهة الأخري.
مروا
علي محل كشري أنيق.. قالت له بغير حماس مختبرة إياه:
- ما تيجي ناكل هنا وخلاص!
قال
بثقــة مبالغ فيها:
- كشري إيه يا أم عمر.. خلينا ناكل حاجة
مغذية.. كباب وكفتة.. كوارع مثلا.. لحمة راس.. وعند ذكره
لكلمتي كباب وكفتة كانوا- بالمصادفة البحتة- يمرون من أمام
محل للكباب والكفتة شوف يا أخي الصدف دي بتيجي إزاي!
نشرت في الأهرام الطبعة العربية في 7 / 3 / 2007
0 التعليقات:
إرسال تعليق