طــرق بابه في الليلة الماضية رجل
يرتدي جلبابا وأعطاه حقيبة بلاستيكية كبيرة بها بعض المواد
التموينية ومصحفا وألعاب أطفال بسيطة وقال له إنها هدية من
فلان.. لا تنس صوتك أمانة.. حافظ علي صوتك,.. فرحت زوجته
وأولاده لكنه ارتاب فسأل جيرانه الوافدين من محافظات أخري هل
وصلتكم اليوم شنطة هدية؟, قالوا: لا, قال: طبعا فليس لكم
أصوات.. وسار يتيه بصوته. وفي هذا الصباح فتح التلفاز فوجد
شبابا متأنقين منمقين يدعونه أن يعطيهم صوته وهو مطمئن الي
أنه سيكون أفضل أكيد وإنه سيعبر الي المستقبل أيضا.. تحسس
حنجرته ليطمئن علي صوته حتي يستطيع أن يعبر.
وفجأة
سمع مظاهرة صاخبة في الشارع الرئيسي تتقدمها سيارات تحمل
ميكروفونات تذيع أغاني أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام بحماسة
بالغة يدعون لرجل قالوا إنه يستطيع أن يقول لا وأن يقضي
علي الفساد بفضل الأصوات الشريفة..
علي
الرغم من حيرته بين المرشحين فإنه قرر أن يكون لصوته قيمة ولا يعطيه
إلا لمن يستحقه فإن صوته أمانة, ويجب أن يحافظ علي الأمانة
ـ هكذا علمه والده ـ .. ارتدي أفضل ما عنده واتجه الي
اللجنة الانتخابية القريبة من المنزل فوجد زحاما رهيبا ـ ليس
من الذين يريدون الانتخاب ولكن من المرشحين وأنصارهم ـ شعر
أن الجميع بانتظاره, هجموا عليه بأوراق دعايتهم وأخذوا
يتجاذبونه كل يحاول ضمه إلي صفه أو كشف ميوله .. الجميع
كانوا هناك.. المتأنقون والملتحون والثائرون, وكلهم تحيط بهم
كوكبة من ذوي العضلات البارزة والأصوات الحنجورية.
تلقي العديد من الزغدات والكدمات وهو في طريقه
الي القاضي الجالس علي المكتب.. الطريق طويل جدا.. ولكن الأمر
يستحق الجهاد .. صوته أمانة.. لم يتراجع أمام التهديدات والذين
انتحوا به جانبا يحاولون معرفة سعره.. نظر إلي رجال الشرطة
فوجدهم يقفون في حياد واستسلام
بجوار الحائط متشبثين بعصيهم ومحتمين بدروعهم من المعارك
الطاحنة الدائرة حولهم.. أشفق عليهم.
واصل
اختراقه الكتل البشرية.. يعرف طريقه جيدا.. واخيرا وصل الي
القاضي الجالس وأعطاه بطاقته الانتخابية وبطاقته الشخصية ووجد
اسمه في الكشوف وأعطاه الورقة التي تضم أسماء المرشحين.. ظل
واقفا ينظر الي الأسماء بتمعن وصورهم وتاريخهم يمر أمام عينيه
سريعا.. لم يتردد .. وضع علامة خطأ علي كل الأسماء.. خرج من
اللجنة مبتسما.. قابلوه علي باب اللجنة وسألوه بعنف: انتخبت
من؟.. لم يرد..
صرخوا
في وجهه: انتخبت من؟
حاول
فعلا أن يرد لكنه اكتشف أن صوته قد اختفي .. ضـــــــــاع!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق