لاأدري
كم ساعة من الوقت مرت وأنا أشاهد الحلقة الرائعة من برنامج
العاشرة مساء علي إحدي الفضائيات للمذيعة المتألقة (والتي خسرها
فعلا التليفزيون المصري) مني الشاذلي.. كانت الحلقة عن صفقة
بيع عمر أفندي وتباري الضيوف في تأكيد وجهة نظرهم, والذي
لفت نظري فعلا هو المهارة الفائقة للمذيعة في طرح الأسئلة
واحتواء غضب البعض بابتسامة رقيقة وفي توزيع الوقت بين
المتحدثين وتدخلها في الوقت المناسب لإدارة دفة الحديث في
الاتجاه الصحيح بدون استظراف أو استفزاز أو استخفاف كما نري
في البيت بيتك الذي أصبح بيتا
لايطاق بفضل مذيعه ومذيعته (الفريدين من نوعهما) اللذين
تم انتقاؤهما بعناية وإتقان للتنكيد علي المشاهد المصري
الغلبان. وقد عرض المهندس يحيي عبدالهادي رئيس مجلس إدارة
شركة بنزايون وعضو لجنة تقييم صفقة عمر أفندي وقائع ما جري
عليه من ضغوط حتي يخالف ضميره ويوقع علي شهادة لا يرضي
عنها بتقدير قيمة تنخفض عن الحقيقة بما يفوق 500 مليون جنيه
شوف كام ! هي من عرق ومال الشعب المصري, وكان صريحا لأقصي درجة,
ولأن حديثه كان من القلب فقد كانت كل كلماته تنطق بالصدق
وتؤكد الانطباع العام لدي المشاهدين بوجود شئ ما وراء هذا
التصميم علي الإسراع بتمرير هذه الصفقة المشبوهة كما مرت من
قبل صفقة بنك الإسكندرية وغيرها من الصفقات التي تمت علي
استعجال ولم تجد من بين المشاركين فيها من يستيقظ ضميره
ويصرخ قائلا لا متحملا في سبيلها الكثير من الخسائر
والانتقادات, وكان من الممكن أن يكتفي بالصمت كما فعل غيره
ويجني مكسبا وقتيا رخيصا ويخسر نفسه لكنه لم يفعل. وفي رأيي
ان المهندس يحيي لم يخطأ عندما أبلغ النائب العام ولا عندما
عرض قضيته علي الرأي العام في الصحافة والتليفزيون.. فهي قضية
شعب يستنزف وأمة تباع بأرخص ثمن, ولا ندري لمصلحة من؟ ..
يقول السيد جمال الناظررئيس جمعية رجال الأعمال ان المستثمر
سيراعي حقوق العاملين وسيزيد من العمالة.. ولم نر أي مراعاة لهذا في
التجارب السابقة, فقد تم التخلص من آلاف العاملين في الشركات
التي تم خصخصتها من قبل.. واستمارات المعاش المبكر توزع حاليا
علي العاملين في عمر أفندي وفي كافة الشركات القابضة باغراءات
كثيرة حتي يتم التخلص من أكبر عدد ممكن من العاملين في
هذه الشركات.. ولم يتم إصلاح أو إحلال وتجديد الماكينات في
المصانع التابعة للقطاع العام منذ خمسة عشر عاما..وكان باب
الوساطة مفتوحا علي مصراعيه في التعيينات في هذا القطاع حتي
تكدس وفاض بالعاملين فيه الذين لا يجدون استثمارا مجديا
لطاقاتهم.. ويتم الآن قذف الملايين منهم الي المقاهي ليجلسوا
بجوار ملايين الشباب من الخريجين الجدد الذين لايجدون فرص
عمل.
ومن
ضمن ما قاله السيد جمال الناظر ان القطاع العام يخسر الدولة
10 مليارات جنيه كل عام وانه حتي لو تم بيعه مجانا فسيكون
هذا مكسبا للدولة, وإن الحكومة تحتاج الي سيولة نقدية وان
المصريين لا يجيدون ادارة مشاريعهم وانه من الأفضل ان تأتي
مستثمرين من الخارج لشراء وإدارة هذه الشركات حتي تنجح!
( هل نضب الشعب المصري من الكفاءات.. عيب يا
رجل .. ألهذا الحد هنا علي أنفسنا واستهنا بقدراتنا؟! وسنظل
نهدر انجازاتنا الوطنية .. اقترح علي الوزير والسيد هادي فهمي
والسيد جمال الناظر عدة اقتراحات تحقق سيولة كبيرة للحكومة
مثل أن نبيع أحجار الأهرامات بالقطعة للسائحين وأن نقوم ببناء
عمارات استثمارية وفنادق ضخمة بدلا من حديقة الحيوانات في
الجيزة لأن مكانها استراتيجي وحيوي.)
في
نهاية الحلقة كان الجانب المعارض للصفقة الممثل في المهندس
يحيي حسين والصحفي مصطفي بكري وعضو مجلس الشعب السابق البدري
فرغلي قد ضموا الي صفهم آلاف المشاهدين الذين أصبحوا يتابعون
أخبار هذه الصفقة أولا بأول في الصحف منتظرين كلمة النهاية
لهذا الموضوع الذي يهم الجميع .
ولن
يكون قرار النائب العام بحفظ التحقيق في بلاغ السيد يحيي
حسين هو نهاية المطاف لهذا
الموضوع , وتبريرات وتصريحات السيد هادي فهمي والسيد وزير
الاستثمار لم تكن مقنعة للرأي العام بالمرة فهما يدوران في
حلقة مفرغة يحاولان أن يقنعانا أن تخلي الدولة عن مشاريعها
القومية الكبري وقلاعها الصناعية الضخمة ومرافقها الخدمية التي
تمس المواطن البسيط بأبخس الأثمان أمر حتمي لابد من الأخذ
به مهما كانت العواقب ومهما كانت الخسائر والتضحيات!
نحن
أيضا في انتظار نتيجة معركة القاضية الجريئة نهي الزيني التي
اتخذت موقفا مشابها لموقف المهندس يحيي خلال الانتخابات الماضية
وفجرت قنبلتها الشهيرة في وجه الضعوط التي تعرضت لها ..
ومازالت شظاياها تتناثر حتي الآن!
نشرت في جريدة الأهرام ـ الطبعة العربية في 2 /4/ 2006
0 التعليقات:
إرسال تعليق