حلم
طويل مدته ثلاثون حلقة قضيناه مع مسلسل يتربي في عزو للرائع
يوسف معاطي ومجموعة العمل المتناسقة تماما والتي اختارها المخرج
المتميز مجدي أبو عميرة مناسبة لأدوارها تماما حتي أنهم
أصبحوا أشخاصا حقيقيين نعيش معهم وننتظر بشغف أحداث المسلسل
في مرح وضحك وسعادة حتي الحلقة قبل الأخيرة التي فجر فيها
يوسف معاطي دموعنا لنعيش لحظات الحزن السامي عند وفاة ماما
نونا التي عشنا أجمل لحظات الحب والأمومة معها ومع الجميل
يحيي الفخراني الذي عاد إلي موقعه سالما في قلوب المشاهدين
بعد عمله غير الموفق في رمضان العام الماضي.
لم أضحك من قلبي عند مشاهدة أي عمل تليفزيوني
رمضاني هذا العام مثلما ضحكت علي ومع حمادة عزو. فلقد وضع
يوسف معاطي كل مشاعره الجميلة تجاه أمه وشعور كل ابن عند
وفاتها في هذا المشهد الصعب الذي برع في أدائه يحيي
الفخراني ونفذه مخرج العمل بأسلوب يستحق عليه أكثر من جائزة
وذلك عند وبعد خبر وفاة ماما نونا وهروب وذهول الابن حمادة
واستغراقه في عمل يرد به جزءا قليلا مما أعطته له أمه .
يناقش
المسلسل قضيتين أساسيتين في منتهي الأهمية : قضية الشعب المصري
الذي اكتفي بالحياة الاستهلاكية ونمط الحياة الكسول اللامبالي
والسبهللة. وقد نجح في أن ينقل إلينا هذه الفكرة ببراعة.
أما
الفكرة الأخري ـ وهي قضية دخول مصر النادي النووي ـ فقد
عالجها يوسف معاطي بمنتهي السذاجة والسطحية والتفاهة وكأنه يقدم
برنامجا للأطفال الصغار فليس من المنطقي ولا المعقول أن يرتبط
تقدمنا النووي بـC.D مع عالمة تجري أبحاثها في معمل صغير أو في
منزلها, وليس من المنطقي أن يتم وضع اليورانيوم في أنبوب
يحمله شخص في جيبه ويعطيه لها سرا, وليس من المنطقي أن
يخرج حمادة سالما بعد لقاء العالم المصري المهاجر الذي كان
سيتسلم منه الـ C.D ويقول له بكل
بساطة ان عليه أفلام كارتون!
أما
المسلسل فهو يكتظ بنماذج متباينة في الطباع وطريقة
الحياة.. فما بين الجد
والاجتهاد في شخصية بنت العم
عالمة الذرة نهال عنبر الذي تعودته في حياتها لمدة 20
عاما في ألمانيا مع زوجها نجد الشخصية غير المبالية
والمستهترة المتمثلة في أخونا حمادة. وكما نجد النصاب سامح
الصريطي المصري المغترب الذي يتزوج من أجنبية ليضمن الجنسية
والعمل, فإننا نجد شخصية صاحب المصنع الكبير خليل الذي كان
يعمل عند الباشا ونجد مدير شركاته كمال عزو الذي تزوج من
أجنبية تتحكم فيه.
مسألة بيع القصر تذكرني بمسلسل البيع المستمر
عرضه, والذي تشهد مصر فصوله
المتوالية في عصر الخصخصة المؤلمة الذي نعيشه الآن والذي أصبح
كل شيء فيه قابلا للبيع. ولعل أقسي ما أصابنا هو بيع عمر
أفندي وأحدث فصول البيع هو بنك القاهرة وما هو قادم أشد
مرارة . فهنا نحن نجد السادة دعاة بيع كل شئ يلمحون كعادتهم
في بداية كل بيعة إلي التفكير في بيع قناة السويس!! . ومن
يدري ربما بعد سنوات قليلة نجد الاهرامات والسد العالي وحديقة
الحيوان والطريق الدائري وجزيرتي الذهب والوراق والكيت كات
وحارة العيش والملح في قائمة البيع .. أعان الله حكومتنا
الرشيدة!
أما
علاقة الأبناء بالآباء فيقدم المسلسل عدة نماذج متباينة. فهناك العلاقة الأساسية للابن المدلل
حمادة وفي مقابلها التربية الجادة والحازمة من نهال عنبر
لأبنائها حيث أنشأتهم علي الصرامة والاعتماد علي النفس . ونجد
أيضا تربية الأم التي بدون سند انتصار لإبنها بعد أن طلقها
حمادة وتخبطه بين الضياع والإدمان
ثم التطرف ثم أخيرا الاتجاه الي الطريق السليم بعد
عودته لحضن أبيه, وتربية مها أبو عوف لابنها ضابط أمن
الدولة ياسر جلال الذي أدي دورا من أفضل ادواره في
التليفزيون وإن كان يعيبه إصراره علي العيش داخل جلباب رشدي
أباظة, وذلك علي الرغم من إمكانية نجاحه أيضا لو مثل
بشخصيته هو فقط. وابنتها هنا شيحا التي كانت في قمة تألقها
في هذا المسلسل ونقلت لنا الشعور الجارف لحب الابنة لأبيها
بكل مافي شخصيته من عيوب وتناقضات, وكان يعين الأم في تربية
ابنها وابنتها والدها صاحب محل التحف والأنتيكات.
ومن
أفضل الأدوار المساعدة دور الفنان أحمد فؤاد سليم مساعد وزير
الداخلية الذي تقمص الدور جيدا حتي جعلنا نشعر من خلال
نظراته الحادة والثاقبة وأدائه المتمكن أنه فعلا ضابط أمن
دولة!
ولفت
نظري أيضا الفنان علاء زينهم الذي أدي دور زوج انتصار, فقد
كان طبيعيا في إحساسه بشعور الرجل العانس العازب الذي يجد
ضالته ويفرح بها ويسعد بشعوره الجديد كأب لأول مرة ونقل لنا
هذه المشاعر بكفاءة واقتدار.
أما
النهاية فهي فكرة تستحق التقدير والتنفيذ فعلا, وهي العروسة
اللعبة التي صنعها حمادة تكريما لوالدته.. فحقا , نحن نحتاج
إلي عروسة مصرية تقف في وجه طوفان اللعب والمصنوعات الصينية
التي تغرق السوق المصرية وهي فكرة جميلة مهداة إلي كبار
رجال الأعمال من أصحاب مصانع لعب الأطفال المصريين الشرفاء
هذا لو كان يوجد لدينا صناع لعب أطفال أساسا! ليقوموا
بتنفيذ هذا النموذج الجميل (طبعا مع الحفاظ علي حق المهندس
المصري المخترع والسيدة كريمة مختار في ملكيتهم الفكرية لهذه
العروسة) وأيضا ليتنا نجد عرائس لشخصيات أخري مثل بكار ورشيدة
وبوجي وطمطم وعلاء الدين وإسماعيل ياسين وشكوكو وزكية زكريا
وهنيدي وكثير من الشخصيات المحببة للأطفال والتي ستلقي رواجا
كبيرا, بشرط أن تكون بأسعار معقولة مع الدخول المحدودة
لغالبية الشعب المصري.
نشرت
في جريدة الأهرام الطبعة العربية
0 التعليقات:
إرسال تعليق