فــي الماضي القريب كان الموظف الفقير
محدود الدخل الذي يمتلك (بطاقة تموينية) يخفي هذه البطاقة عن
عيون زملائه حتي لا يفضح نفسه ويعرفون مدي فقره, وإذا ما
عرف الزملاء هذا السر فإنهم ينظرون اليه بشفقة وعطف.. غلبان..
لديه بطاقة تموين.. أما الآن فقد انقلب الأمر وأصبحنا نري
(بهوات) يقفون في طوابير طويلة جدا لاستخراج شهادات ميلاد وذلك لعمل بطاقات تموين
أو إضافة المواليد الجدد وأصبحنا نري وزارة التضامن الاجتماعي
تفتتح فروعا لها في نقابة الصحفيين وفي جميع المواقع الهامة
في الدولة لاستخراج هذه البطاقات وأصبحنا نري وجهاء القوم
يبحثون عن (واسطة) لسرعة استخراجها وأصبح من لديه بطاقة
تموينية يتباهي بامتلاكها انتظارا لوعود الحكومة (أفلحت إن
صدقت) بأن هناك سلعا أخري ستضاف الي هذه البطاقة بأسعار
رمزية!
ومع
اشتداد أزمة الغلاء التي طالت كل شيء (ما عدا الإنسان طبعا)
تغيرت كثير من المعاني
والمدلولات والصور الذهنية لمفاهيم وقيم وأمثال شعبية
كثيرة.
كنا
في الماضي نقول عن المواطن الفقير المعدم الذي لا يمتلك
شيئا علي الإطلاق إنه (علي الحديدة) .. أما الآن فيا بخته
ويا سعده ويا هناه من يمتلك (حديدة) بل ويجلس عليها أيضا..
خاصة بعد أن اقتربنا من حساب سعر الحديد بالجرام مثل الذهب
وأصبح العثور علي (حديدة) حلم يراود الكثيرين حتي ان الأمر
وصل إلي سرقة غطاء المدافن!
وكنا
نقول عن الشخص شديد الفقر إنه يأكل (عيش ودقة) أما الآن ,
وبعد اشتداد أزمة (رغيف العيش) فقد أصبح من يأكل (عيشا) فقط
محط حسد من الآخرين, لا سيما لو كان هذا الخبز نادر
الوجود ذي القروش الخمس والذي أصبح له شهداء واستشهاديون في
كل محافظات مصر وأصبحت رؤيته امنية للكثيرين ناهيك عن أكله
أو تذوقه!
أما
الشخص (المزيت) فقد كان محل اشمئزاز ونفور ممن يراه.. والآن , بعد ان تعدي سعر زجاجة الزيت
الجنيهات العشر, فقد أصبحت
رائحة الزيت أزكي من رائحة
أقوي البارفانات العالمية, وأصبح هذا الشخص المزيت أملا لكثير
من الفتيات!
وكانت
أمهاتنا تحذرنا من أن نكون
لعبيين علي أساس أن اللعبي هو لشخص الذي لا مستقبل له,
وتطالبننا أن ننتبه لدراستنا.. ولكن الآن أصبح اللعيبة هم
نجوم المجتمع وبعد أن رأينا الملايين تنهال علي لاعبي المنتخب
القومي وتعدي سعر اللاعب
الملايين الخمس أصبحنا نلح علي الأبناء أن ينزلوا ليلعبوا في
الشارع وفي النادي وفي أي مكان.
وكانت
الحكمة المأثورة التي تزين خلفية كراساتنا في الماضي الكلام
من فضة والسكوت من ذهب هي النبراس الذي نقتدي به في
حياتنا.. أما الآن وبعد أن رأينا أحد حراس المرمي وقد تحول
للإدارة بعد ذلك والتعليق علي المباريات متواجدا في كل
القنوات التليفزيونية وفي كل المحافل الرياضية وكل بضاعته حاليا
هي الكلام الذي أصبح يدر الملايين وأصبحنا نري (الكلمنجية) هم
نجوم الفضائيات .. لذلك فإننا ننصح أبناءنا بكثرة الكلام الذي
أصبح من ذهب وفضة وحديد كمان!
نشرت في جريدة المسائية
0 التعليقات:
إرسال تعليق