في
أول يوم لنا بالشقة التي قررنا أن نقضي بها الإجازة الصيفية بإحدي المدن
الجديدة ـ كانت الشقة مكونة من غرفتين وصالة,
الغرفة الكبيرة بها سريرين, والصغري سريرين أيضا, وفي الصالة كنبة
يتم تحويلها إلي سرير عند
اللزوم وعدة كراسي وسفرة صغيرة وتليفزيون 12 بوصة, كنا في
المساء نشاهد المسلسل العربي (قاتل بلا أجر) الذي تابعنا
ثلاثين حلقة منه ومازالت الأحداث غامضة ومثيرة (وهذا نادرا ما يحدث !) ظلت
أبصارنا شاخصة تتابع بشغف هذه الحلقة التي بدأت تتكشف فيها
الأحداث, لمحناه بطرف أعيننا يمرق من أمامنا بسرعة البرق باتجاه الغرفة الكبيرة ثم يعود
ويلف ويجري يمينا ويسارا وهنا وهناك أمامنا في ذعر بالغ,
وصرخت زوجتي والأبناء: فار .. فار!.. وهلعوا جميعا خوفا منه
علي, الرغم من صغر حجمه, الذي يزيد عن حجم صرصار.. لم تمض
لحظات حتي اختفي.. وقرر ابني محمود انه في الغرفة الكبيرة,
ولكن ابنتي ضحي كان لها رأي آخر, فقد أكدت انه في الغرفة
الصغيرة.. انقسمت الآراء فكان
القرار أن نغلق الغرفتين ونظل في الصالة, قطعا للشك باليقين..
أرسلت إبني ليشتري مصيدة وذهبت أنا إلي الصيدلية لشراء أي
شيء يصلح لمواجهة هذا الضيف المزعج.. أخبرني الصيدلي أنه توجد
لديه عجينة عجيبة تجتذب الفئران فتقتلهم فورا عند أكلها..
وهناك أيضا مادة لاصقة توضع علي سطح لوح خشب أو كرتون
ويوضع فوقها بعض المأكولات التي تحبها الفئران مثل الجبن
الرومي والطماطم والخيار وخلافه.. فطلبت منه أن يأتي لي
بالنوعين.. وجاء الإبن بالمصيدة
وأمسك كلا منا بشبشب وعصاة في يديه.. وهكذا أعددنا
العدة للقتال.. ودخلت إلي الغرفة الأولي ووضعت المصيدة .. وخرجت
بسرعة مغلقا الباب خلفي بإحكام
لأضع قطع من العجينة القاتلة في أنحاء الغرفة الأخري
واللوح الذي تعلوه المادة اللاصقة في وسط الغرفة ولم أنس أن أضع له عينات متنوعة من
المأكولات الشهية عليها بالإضافة الي قطعة من العجينة (زيادة
في التأكيد!).
واجتمعنا
في الصالة مرة أخري لمناقشة كيف سننام ؟.. كانت الصالة هي
(المكان الآمن الوحيد).. والكنبة الاستوديو هي المكان الوحيد
أيضا الذي يصلح للنوم.. لذلك قررت أنا التضحية بنفسي بصفتي
الأب طبعا الذي يجب أن يظهر بأنه غير خائف من هذا الفأر
(الفسل) .. وفعلا لم أكن خائفا منه وكنت أعتبره مغلوبا علي
أمره وقد وجد نفسه فجأة وسط كل هؤلاء الأعداء وهي حرب لم
يكن يريدها علي الإطلاق, ثم إنني سبق أن واجهت آبائه
وأجداده في صولات قتال عديدة!
دخلت
الي الغرفة الكبيرة وأغلقت الباب خلفي ولكن ابنتي الصغيرة
نوران ذات السنوات الأربع صرخت: بابا بابا .. متنامش مع الفار
يا بابا .. اخرج يابابا .. وظلت هكذا تصرخ خائفة من أن
يلتهمني الفأر : أخرج يابابا .. يابابا .. حتي أشفقت عليها,
وقررت الجلوس معها حتي نامت
علي الكنبة الاستوديو باعتبارها (المكان الآمن) واضطر باقي أفراد العائلة الي
التناوب في النوم ما بين الكراسي و(المكان الآمن), وعدت أنا
للمواجهة الحاسمة وقضاء الليلة مع الفار اللعين..
لم
أستطع منع نفسي من ترقب ظهوره بين لحظة وأخري حتي أقضي
عليه وأتخلص من هذا التوتر الذي عم البيت, لذلك كنت أترهف
السمع منتبها لأي صوت أو همسة
في الدولاب أو من تحت السرير أو بين الكتب .. لم أسمع أي
شئ , لذلك بدأ النوم يتسلل تدريجيا إلي عيني, ..وفجأة ظهر
أمامي ضخم الحجم يحاول الهجوم علي فأمسكت بعصا غليظة لا
أعرف من أين ظهرت أمامي وظللت أضرب فيه بشدة لكن لم تؤثر
فيه الضربات وواصل التقدم نحوي فلما اقترب متضخما جدا استيقظت
مفزوعا من هذا الكابوس المزعج, تلفتت حولي وألقيت نظرة علي
المصيدة لكنها كانت فارغة إلا من قطع اللانشون والجبن
الرومي.. قضيت الليلة في نوم
متقطع وأحلام مزعجة.. حتي صحوت في الصباح علي طرقات ابنتي
(نونة) بابا .. بابا .. الحق..
فخرجت بسرعة وأغلقت الباب خلفي (بإحكام) كالعادة..
وبدأنا
نستعد لتناول الإفطار ففتح ابني
الباب ليذهب لشراء الخبز من
السوبر ماركت المواجه للعمارة فإذا بالفأر اللعين يخرج من خلف
(الكنبة الاستوديو) ويتسلل في هدوء تجاه باب الشقة,
..الدهشة شلت حركتنا جميعا..
كيف استطاع هذاالفأر أن يخدعنا جميعا ويختبئ في هذا المكان ..
الآمن!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق